عندما يصبح التعاطف تهمة.. اعتقال مُسنّتين يهز المجتمع البريطاني ويثير جدلاً حول حرية التعبير
عندما يصبح التعاطف تهمة.. اعتقال مُسنّتين يهز المجتمع البريطاني ويثير جدلاً حول حرية التعبير
في تطور صادم يثير قلقًا واسعًا في الأوساط البريطانية، وجدت المعلمة المتقاعدة ماريان سوريل، البالغة من العمر 80 عامًا، نفسها في موقف لا يصدق، بعد اعتقالها واحتجازها لما يقرب من 27 ساعة، وتفتيش منزلها بشكل شامل من قبل الشرطة، عقب مشاركتها في مظاهرة مؤيدة لفلسطين.. القضية تضع حرية التعبير وحق التضامن تحت المجهر في المملكة المتحدة.
تهمة دعم الإرهاب
الواقعة بدأت في 12 يوليو، عندما شاركت السيدة سوريل في مظاهرة سلمية بعنوان "الدفاع عن هيئات المحلفين" في كارديف، لم تكن تعلم أنه سيُلقى القبض عليها بتهمة الاشتباه بدعمها حركة "فلسطين أكشن" (Palestine Action)، التي حُظرت مؤخرًا بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، لتصبح أول جماعة من نوعها تُجرّم رسميًا في بريطانيا، هذا التطور أثار صدمة عميقة لدى السيدة سوريل، التي لم تتوقع في حياتها أن تُعامل بهذا الشكل.
تفتيش ومصادرة المقتنيات الشخصية
خلال فترة احتجازها، اقتحم ضباط الشرطة منزل السيدة سوريل في سومرست وصادروا 19 غرضًا شخصيًا، لم تكن هذه الأغراض سوى مقتنيات عادية تعكس اهتماماتها ونشاطها المدني، شملت أجهزة إلكترونية، وعلم فلسطين، وكتبًا عن القضية الفلسطينية، وحتى أدوات موسيقية، كما صودرت مواد تتعلق بحركات مناصرة لقضايا البيئة مثل "تمرد ضد الانقراض" (Extinction Rebellion)، ما أثار تساؤلات حول مدى دقة التفتيش وأهدافه.
تقول سوريل، وهي ناشطة اجتماعية دأبت على الدفاع عن القضايا العادلة لعقود: "في سن الثمانين، أن أُعامل كإرهابية هو أمر مرعب، أستيقظ كل صباح وأنا أعاني من الغثيان.. لم يُصادروا شيئًا غير قانوني، لكن يبدو أنهم باتوا يعتبرون أي دعم لفلسطين جريمة".. هذه الكلمات تعكس حالة الصدمة والاستياء من التهم الموجهة إليها.
صديقتها تشاركها المحنة وتحديات الكفالة
لم تكن السيدة سوريل وحدها في هذه المحنة؛ فقد شمل الاعتقال صديقتها تريشا فاين (75 عامًا)، وهي أيضًا معلمة متقاعدة واحتُجزت للمدة نفسها، وأفادت السيدتان بأن استجوابهما تضمن أسئلة حول معرفتهما بمواقف "فلسطين أكشن" إزاء العنف، وما إذا كانتا على استعداد لاستخدامه، وهو ما أثار استغرابهما.
قالت فاين إن شروط الكفالة المفروضة تمنعهما من التواصل، كما تُجبرها على البقاء في منزلها، ما يحول دون مرافقة زوجها –الذي يتعافى من مرض السرطان– في رحلتين كانا قد حجزاهما مسبقًا، تساءلت فاين بمرارة: "أنا في الخامسة والسبعين، هل يُعقل أن أُصنّف كإرهابية؟ إنه أمر عبثي ومقلق جدًا، ما الذي يحدث في هذا البلد؟"، كما انتقدت رفض الشرطة تقديم الدواء الذي كانت تحتاج إليه خلال الاحتجاز، وعدم إبلاغ زوجها باعتقالها رغم الوعود بذلك.
“مستعدة للسجن أو الموت”
على الرغم من خطورة الاتهامات التي قد تصل عقوبتها إلى 14 عامًا من السجن في حال الإدانة بدعم منظمة محظورة، أبدت السيدة سوريل شجاعة لا تتزعزع، حيث قالت: "إذا كان الدفاع عن المظلومين في فلسطين يستحق السجن أو حتى الموت، فأنا مستعدة لذلك"، بهذه الكلمات الجريئة عبرت عن إصرارها على مواصلة نضالها من أجل العدالة، مؤكدة أن الخوف لن يمنعها من دعم من تعتبرهم مظلومين.
وقد ألقت الشرطة القبض على 13 شخصًا في مظاهرة كارديف، فيما أكدت شرطة جنوب ويلز أن التحقيق ما زال جاريًا دون التطرق إلى تفاصيل الاعتقالات أو التهم، ما يترك الباب مفتوحًا لتساؤلات حول شفافية الإجراءات.
قضية حرية التعبير والتظاهر السلمي
تُعدّ قضية حرية التعبير والتظاهر السلمي من الحقوق الأساسية في الأنظمة الديمقراطية، وتحديدًا في المملكة المتحدة، ومع ذلك، تشهد بريطانيا في الآونة الأخيرة تزايدًا في الجدل حول حدود هذه الحريات، خاصة في ما يتعلق بالتظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية، ويأتي ذلك في سياق تشديد الحكومة البريطانية لإجراءاتها الأمنية وقوانين مكافحة الإرهاب، بما في ذلك حظر بعض المنظمات التي تُعتبر متطرفة أو داعمة للعنف.
حركة "فلسطين أكشن" (Palestine Action) هي إحدى هذه المنظمات التي صُنفت مؤخرًا كـ"منظمة إرهابية" بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000، لتصبح أول جماعة من هذا النوع تُجرّم رسميًا في بريطانيا.
تهدف هذه الحركة إلى تعطيل الشركات التي يُعتقد أنها مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي.
اعتقال ناشطين مسنين، وخاصةً معلمات متقاعدات، بتهم تتعلق بدعم "منظمة إرهابية"، يثير مخاوف جدية لدى منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن الحريات المدنية، حيث يرون في ذلك سابقة خطيرة قد تعوق حق الأفراد في التعبير عن آرائهم السياسية والتضامن مع القضايا الإنسانية، حتى لو كانت تلك الآراء تتعارض مع سياسات الحكومة، هذه الحادثة تسلط الضوء على التحدي الذي تواجهه الديمقراطيات في الموازنة بين الحفاظ على الأمن القومي وحماية الحريات الأساسية لمواطنيها.